الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين

General Union for Palestinian Writers

 ترجمة : الشاعر عبد الله عيسى – موسكو  *
كتب الكثير عن فلسطين أيام الاتحاد السوفيتي ، وكان الرئيس ياسر عرفات ضيفاً دائماً في موسكو . والاتحاد السوفيتي بكل الوسائل دعم فلسطين لنيل حريتها ، والشعب الفلسطيني لتأسيس دولته المستقلة . وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ظهرت صراعات دموية في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا .. وتراجعت المسألة الفلسطينية إلى الدرجة الثانية .
والآن يسعى الفلسطينيون للتذكير بأنفسهم ، وعن أوضاعهم تحت الاحتلال . الاحتلال (يكتب الكلمة العربية بأحرف روسية ). الاحتلال هذه الكلمة لا تغادر شفاه الفلسطينيين . يتحدث بها كما قيادات منظمة التحرير الفلسطينية كذلك الفلسطينيون البسطاءأيضاً .
وفي ملتقى " الثقافة والحرية " في فلسطين دعي  كتاب في فلسطين حتى يظهر الفلسطينيون علاقتهم الحالية مع إسرائيل .
   وحضر إتحاد كتاب روسيا ممثلاً بفلاديمير كروبين و غينادي إيفانوف ومحمد أحمدوف وأليغ بافبكين .
وكان وفد كتاب أسبانيا الذي ضم عشرة كتاب هو الأكبر بين الحاضرين . ويبدو أن إسرائيل لم تكن ترغب بمشاركة كتاب من الإتحاد الأوربي ، ولهذا أوقفتهما على الحدود ساعاته لدخول إلى فلسطين . لكنهم سمحوا لنا بالعبور سريعاً .
كتاب فلسطينيون كثر حلّوا من دول أخرى . لقد شرح لنا الفلسطينيون أن الإسرائيليين يسعون لاقتلاع العباقرة من فلسطين ولهذا فإن كثيرا منهم يعتبرون كتاب شتات . وعلى سبيل المثال لم يسمح الإسرائيليون للشاعر والقاص الروائي توفيق فياض العودة إلى وطنه ٤٣ عاماً . وفقط استطاع مؤخراً وعبر قرار المحكمة من العودة . لقد رأينا بأم أعيننا كيف استقبله الفلسطينيون كبطل قومي .
ولقد تكونت لدي بعد الزيارة انطباعات متداخلة . فمن جهة استطعنا رؤية كافة الأماكن المقدسة تقريباً ، ومن جهة أخرى فقد استمعوا ، عبر زياراتها للمدن والقرى ، إلى الحكايات المؤلمة للمصير التراجيدي لهذا الشعب .
قبل أيام من زيارتنا للقدس ، كما أخبرونا ، قتل الإسرائيليون بلا أي ذنب صبياً فلسطينياً .واندلعت موجة اعتصامات .وبعد يوم من زيارتنا أخبرتناأنباء جديدة بأن الإسرائيليين من حاجز لهم أطلقوا النار على شاب فلسطيني فقط لأنه صعد على سطح بيتهم ، وربما صرخ جهة إسرائيل . لم يكن في حوزته أي سلاح.
وخلال أيام هزت المأساة التي حلت بقرية دوما فلسطين كلها ، ومعها العالم العربي . حيث تسلل إسرائيليان تحت جنح الظلال ، ملثمان ، وقاما بإلقاء زجاجات حارقة عبر نوافذ منزلين . احترقت عائلات ، وقتل طفل رضيع في أتون النار . 
لقد دعونا لزيارة القرية المنكوبة . هناك التقينا بفلسطينيين . لمسنا الغضب والاستنكار . كان ملصق الشهيد الرضيع في كل مكان . حتى نتنياهو وصف الإسرائيليين الذين قاموا بهذا الموت مجنونين . لكن الفلسطينيين يعتقدون أن هذا نتيجة لسياسة السلطات الإسرائيلية التي تقوم ببناء مستوطنات في كل الأراضي الفلسطينية بمحاذاة القرى الآمنة ، حتى يضعوا الحياة الفلسطينية تحت سيطرتهم ، ويخنقوا أية انتفاضة في حال حدوثها . هناك اتفاق مثلا في الأراضي التي يسمونها منطقة (أ) بأنه يمنع على الفلسطيني والإسرائيلي أن يطأها ، لكن في حال ولعلها الفلسطيني فإنه يحاكم لسنتين في السجن ، في حين لا يخضع الاسرائيلي لأية مساءلة في حال قام بالفعلة ذاتها .
ويقال أن هذه المستوطنات اليهودية يستوطن بها مهاجرون من الاتحاد السوفيتي السابق ، وهم بهذه الأفعال يؤكدون انتماءهم لإسرائيل .
يمكن أن أذكر أمثلة كثيرة على التضييق على الفلسطينيين وإذلالهم ، وقد لاتنتهي هذه الأمثلة . كل الأراضي الواسعة في الأراضي الفلسطينية احتلها الإسرائيليون لأهداف عسكرية ، كما يزعمون . وبكل الوسائل يعيقون تطور الاقتصاد ، ويسعون لمحو ثقافة الشعب الفلسطيني . كم من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في دول أخرى . يعيشون في مخيمات اللاجئين . حتى وقت قريب كان يعيش في مخيم اليرموك في سوريا حوالي مليون ونصف .
في هذا الملتقى ترددت كلمات نيلسون مانديلا: "لا يمكن للعالم أن يصبح حراً ما لم تتحرر فلسطين " . لست خبيراً في شؤون الشرق أوسط ، لكن شيئاً ما يجب فعله من أجل فلسطين . يجب أن يكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة ، لا حكماً ذاتياً . وهم على كفاية ومقدرة لإدارة وتطوير دولتهم . لديهم الكثير من الكفاءات العلمية . لكن هؤلاء إما في الخارج ، أو في البيوت ، دون آفاق لاستثمار معرفتهم .
وفي هذه الرحلة فكرت كثيراً بما يحصل في أكرانيا . فلو تم استسلام جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين ، فسوف يكون مصيره ما أشبه بمصير فلسطين مسلوبة الحقوق .
أما عن زيارتنا للأماكن المقدسة فيمكن الكتابة بلا نهاية . أقترح أن تتطلعوا إلى الأماكن المقدسة في صور التقطتها هناك . 
رآنا فلاديمير كروبين الذي تجول طيلة اليوم في القدس تحت درجة حرارة وصلت الأربعين ، فوق الحجارة وعلى الإسفلت ، كافياً . فقط لأنه في الأراضي المقدسة .
الحرارة هناك جدية ، وكانت في القدس ٥١ درجة .
عن كروبين كتبت شعراً :
اليوم . الحرارة أربعون
سماء صافية ، لاهبة
وآلاف الظهور تنحني للأماكن المقدسة 
ومعهم اليوم الكاتب كروبين
الأرض المقدسة ! كل شيء مقدس حولنا
خلع  كروبين نعليه ، وطاف حافياً
١٢ مرة في هذه المدينة .
وحده أحب أن يبقى في كل مكان
في القدس ١٢ مرة .
يبقى مضيئاً هنا ، وقد تركنا . 
كروبين يعرف طبعاً كل المقدسات هنا . حتى أنه كتب كتاباً عنها . كم كان ممتناً الاستماع لحديثها عنها . وكان بكرم يتقاسم معنا معرفته بها . شكرا لك فلاديمير نيقولايفتش .
وكلنا نشكر أليغ بافيكين على معرفته باللغة العربية ، وبنوادر الحكايات والتقاليد الفلسطينية . ومعرفته العميقة بالأدب الفلسطيني فتحت ، لنقل ، قلوبهم للقائنا .
محمد أحمدوف حل هنا كوريث رسول حمزاتوف . يعرف الفلسطينيون رسول حمزاتوف جيداً . محمد قرأ بتألق شعره باللغتين الروسية والأوارية . بعض شعره ترجم للعربية . وخلال هذه الفترة تصادق مع مراد السوداني رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين ودعاه للمشاركة في مهرجان شعري في داغستان .
في صوري يوجد البحر الميت . لكن التقطت في الأردن ، حيث طرنا من هناك عائدين لروسيا . أخذوا إلى البحر لنصف ساعة . الفلسطينيون قالوا لنا أن الإسرائيليين لن يسمحوا بالذهاب إلى البحر الميت عبر الأراضي الفلسطينية . وهذا هو الواقع .
لم نستطع النظر كما ينبغي للبحر الميت . على الشاطئ تشعر بنكهة الملح على الشفاه . الطريق إلى. الماء  كله طين لمهذا الطين هنا مفيد للصحة . صعب تحمل درجة حرارة تصل الأربعين وهواء رطباً . تشعر بالرغبة في المغادرة سريعاً .
على الرغم أن كروبين دخل الماء خمس دقائق وسبح على ظهره فوق سطح البحر .
هكذا يمكنني أن أقول عن انطباعاتي عن الأراضي المقدسة . مثلاً ، حين كنت في إيران ، يممت وجهي للصلاة شطر روسيا ، حيث بقي ربي ، و هناك أيقونتي . أما هنا ، فكل شيء مختلف . الرب هنا . صليت وكأنني في البيت . 
_________
*أرسل ترجمتي لمقالة غينادي إيفانوف بعد زيارته لفلسطين منشورة في موقع " الكاتب الروسي "
http://www.rospisatel.ru/ivanov-palestina.htm